ما تبقى لنا من رابتشر: مقدمة

بواسطة Abdulrahman

كانت خطوتي الأولى بالجزء الأول من لعبة BioShock بيوشوك بعد سقوط الطائرة التي كنت أحد ركابها، أن أصعد إلى مبنى في وسط البحر، وأن أفتح باب ذلك المبنى أو البرج، وجدته مظلما للحظات، بعد ذلك تم تشغيل الأضواء، وتمزق الظلام على أكتاف تمثال لشخص ولافتة كُتب عليها  لا آلهة أو ملوك، فقط رجل  ، ركبت المصعد ولم أمعن النظر حينها لأربع لوحات كانت منتشرة على الجدران قبل دخول المصعد، كتب على كل لوحة: الفن، الصناعة، العلم، حرف الراء (إشارةً لمدينة رابتشر).

بعد ركوب المصعد تم تشغيل مقطع يتحدث به شخص يملك صوتا إذاعيا جميلا:

أنا أندرو راين، و أنا هنا لأطرح عليك سؤالا: هل الرجل يملك حق عرق جبينه؟ لا قالها رجلٌ من واشنطن وأردف قائلا:” بل ينتمي حقه للفقير، لا قالها رجلٌ من الفاتيكان ؛  بل ينتمي حقه للرب ، لا قالها رجلٌ من موسكو  بل ينتمي حقه للجميع. أنا رفضت كل هذه الإجابات، وبدلا من ذلك اخترتُ شيئا مختلفا، اخترت المستحيل، اخترت .. رابتشر.

 مدينة حيث يحيى بها الفنان من دون الخوف من ضوابط رقيبٍ عليه، حيث يحيى بها العالِم من دون حدود معنوية تافهة، حيث العظيم لا يتم تقييده بالصغير. وبعرق جبينك أنت، رابتشر قد تصبح مدينتك أيضا.

لم يكن حديثا مؤثرا بالنسبة لي، كان يملك صوتا ينم عن قوة، عن سلطة، عن ملك اقتحمت مملكته، وكل هذا أمر اعتيادي بقصص الألعاب، لكن هل كان أندرو راين حينها رجلا قويا؟ أم مجرد بقايا شخص يحاول أن يوهمك مرة تلو مرة أنه قوي؟، هل كانت رابتشر مجرد يوتوبيا أم ثقافة ؟ عالم يتمتع بحس شخصي؟

راين كان بمكتبه بوقت متأخر ليلا، يسأل رئيس أمنه الشخصي “سوليفان” عن التقارير التي طلبها منه، وكانت تقارير حول أحداث نهاية الحرب العالمية الثانية، تقرير عن مدينتي اليابان هيروشيما وناجازاكي، سوليفان يقول له:”المدينتان تحطمت. قنبلة لكل مدينة”، يمد سوليفان صور جوية للمدينتين التي تم تهريبها من قبل شخص من الحكومة الأمريكية لراين، راين يقول: ” أمبراطوريتان عظيمتان، يعاني كل منهما من الآخر، مسلحين بأسلحة وحشية، فقط قنبلة واحدة لتدمر مدينةً بأسرها! هذه القنابل فقط ستصبح أكبر، وأكثر قوة، مالذي تتوقع أن يحدث سوليفان؟”

“يقول البعض أن حربا ذرية ستندلع. أشعر بحتميتها، سيدمروننا جميعا، لكن مازالت هنالك احتمالية أخرى، للبعض منا، أليس ذلك صحيحا يا سيدي؟”

” أنا أحتقر مستقبل هذه الحضارة يا سوليفان، بالبداية البلشفيين، وبعد ذلك روزيفيلت، و ترومان يكمل ما بدأه روزيفيلت. سيتوقف ذلك حينما يقف كل رجل حقيقي ويقول هذا يكفي!”

“لقد اتخذت قراري يا سوليفان، سأُباشر تقدمي بمشروع كنت أتسلى به، لكن قريبا لن يصبح للتسلية، سيكون واقعا مجيدا!”

 

Image result for andrew ryan bioshock artwork

 

أندرو راين لم يكن أندرو راين، أعني أن لم يكن هذا اسمه، اسمه الحقيقي قبل القدوم لأمريكا هو ” أندري راينوفسكي”، قرر والده الرحيل لأمريكا عام ١٩١٨ بعدما تولى حزب البلشفية حكم روسيا. بفترة رياح قوية أثناء الصباح، يقف أندري مع والده بمحطة القطار، يد والد راين اليسرى تحمل حقيبتهم الوحيدة ويده اليمنى على كتف ابنه راين.

كان والده سبق وأن أعلن أنه ضد الجيش الأحمر، وبعد الثورة التي أحدثها هذا الجيش بروسيا، بدأوا بالبحث عن ” خونة ثورة الشعب”، وأحد القساوسة تحدث لوالد راين بأن حملة التطهير ستبدأ اليوم، فكان هو وابنه أول الراكبين لقطار نحو القسطنطينية.كان أندري ووالده بيوتر من بين مجموعة من الأشخاص الذين يريدون الرحيل، ومن بينهم أيضا بمحض الصدفة ابن عم بيوتر “ديميتري”، واقفا مع زوجته فاسيليسا، وكان بالأرجاء جنود من الجيش الأحمر.

رأى ديميتري ابن عمه بيوتر، وبعدما تصافحوا قالت فاسيليسا ” أرجوك بيوتر، لا نملك المزيد من المال، لو تدفع لهؤلاء الجنود” ديميتري يقول بعد ذلك: ” إنهم يبحثون عنا لأنني تحدثت عنهم باجتماع أمس، فقط لدينا تذاكر الرحيل، لا شيء أكثر، لم يتبقى لدينا أي روبل، ربما رشوة قد تجعلهم يرحلون عنا”

” ديميتري، فاسيليسا لو كنت أستطيع أن أساعد لفعلت، لكننا سنحتاج لكل كوبيك، يجب علي أن أفكر بهذا الفتى، يجب علينا الدفع لرحلتنا أيضا، رحلة طويلة”

فاسيليسا: “أرجوك بيوتر”

حينها ثلاثة رجال  من ميلشيا الجيش الأحمر رأوا ديميتري وزوجته وقاموا بمناداتهم من منصة قبل الدخول للقطار، أندري ووالده بيوتر صعدوا القطار، وهكذا ينظر الأبن أندري للجنود وهم يرمون أوراق ديميتري وزوجته، وتبدأ بالصراخ  فاسيليسا، يأخذها زوجها خلف ظهره، الجنود يشهرون سلاحهم ويقتلونهم أمام أعين أندري.

كان حلم أندري بناء شيء يستطيع الصمود أمام مثل هؤلاء الرجال.

” فقط لو كان أبي هناك ليراها ترتقي من الظل، غير خائفة، مُكرسة للحرية. رابتشر”

 

rapture's_best_and_brightest_-_1952_poster

 

أندرو راين كان يملك شخصية محبوبة من الكثيرين، في بيوشوك ١ ستجد أشرطة صوتية تم تسجيلها لشخصيات مهمة بعالم رابتشر كساندير كوهين وهو يقول بالتسجيل أنه كان يحب راين ولكن يظهر استيائه منه، وأن راين خذله بعدما جعله يؤمن برابتشر وبالجماهير التي ستحضر تقديرا لفنه، ستجد أيضا بيل ماكدونا المهندس الرئيسي لمدينة رابتشر ( والذي سنتطرق له لاحقا) يعبر عن حبه لراين، لكنه بنفس الوقت يحب رابتشر وسيفعل أي شيء لينقذها من  سياسات راين بحربه مع فونتاين حتى لو اقتضى ذلك قتل راين.

الكثير أحبوا راين والكثير آمنوا برؤيته لكن راين انهار بعد انهيار أفكاره، كل شيء هرب منه من سطح الأرض عاد إليه في قاع البحر، أماكن كثيرة تم اتخاذها ثكنات عسكرية، تم قتل الكثير من المدنيين، راين لم يعد يفكر ألا بتنفيذ أفكاره الشخصية، بنهاية اللعبة سيقول لجاك:” بالنهاية، ما يهمني هو أنا فقط، وكل ما يهمك أنت هو أنت، هذه طبيعة الأشياء“، ورأينا ملامح هذا الشيء بعالم رابتشر.

أشيد برؤية اللعبة بتقديم فكرة متينة عن ماذا لو سادت المصالح الشخصية بمجتمع معين، يتضح التأثير على الشخصيات الرئيسية والفرعية، على المباني، على الجدران، حتى تسجيل المقاطع أتى بسياق مقنع نوعا ما وله صلة بالقصة، تركيز المصممين على كثافة العلامات أو الصور لتسويق الذات نظرا لكون المجتمع قيمته بالفردية البحتة. كان كل شيء متصل بتناغم شديد، وهذا الشيء الجميل بقصص الألعاب، بالرغم من أن بيوشوك سردها القصصي يركز على مفاجئة لتغيير الأحداث، لكن هذا شيء بالرغم من كونه ذكي لكن يتم استغلاله بشدة من ألعاب أخرى، أتحفظ بشدة على هذا العنصر كتقييم لجودة أي قصة، عالم القصص هو االشيء النادر بالرغم من أنه ليس العنصر المحوري الوحيد لنجاح أي قصة، وبالتأكيد رابتشر عالم نادر.

كان هنالك مهندس يعمل كسباك يدعى “بيل ماكدونا”، بيوم من الأيام كان يصلح مرحاض لدورة مياة مكتب أندرو راين، بفترة عمله لإصلاح المرحاض قدِم راين نحوه بابتسامة :“لم أقصد مقاطعتك، فقط دعاني الفضول كيف العمل يجري.“

بيل تفاجئ بهذه الألفة والتواضع من شخص يعتبر أغنى رجال العالم، كان راين للتو قد اغلق مكالمة أثارت غضبه، لكن استعاد هدوءه بسرعة، وامتلئ بالفضول نحو عمل بيل.

يرد بيل:”قيد العمل يا سيدي، قريبا سأنتهي منه”

يشير راين إلى المرحاض “هل هذا نحاس وضعته هنا؟، أعتقد أن العمال آلآخرين يستخدمون قصدير”

“سأتأكد أنهم لن يفعلوا ذلك يا سيدي، القصدير لا يعتمد عليه، إن كان السعر ما يقلقك، لن أحاسب على سعر النحاس، لذا لا تقلق”

” ولماذا قد تفعل ذلك؟”

“سيد راين. لا يوجد مرحاض بناه بيل ماكدونا يسرب ماءً”

راين ينظر له بإعجاب وفضول محدقا بشكل شديد، بيل من غرابة الموقف عاود عمله من دون أن ينظر له. بعد فترة من اللقاءات بيل أصبح مهندس رابتشر الرئيسي.

 

 

تصميم مدينة رابتشر يتمحور حول “سلسلة الصناعة العظيمة ” والتي أوضحها راين فور افتتاح مدينة رابتشر:” عندما تجتمع جهودنا، كسلسلة عظيمة من الصناعة التي توحدنا، ستقوم السلسلة حينها بتحريك مجتمعنا، و سنتمكن من فعل ذلك فقط حينما نعاني لمصلحتنا الشخصية “.

غالبا تم اختيار كل شخص برابتشر وفق معايير فردية فقط، وبرابشتر المجتمع مبني على أن كل مشروع وكل فكرة ستنهض بالمجتمع مبدأها فائدة شخصية لكل شخص، المجتمع لا يشجع على العطاء أبدا ويعتبر العطاء أمر اختياري، أنت تبحث عن مصلحتك الشخصية، ومن مصلحتك الشخصية ستحقق المصلحة العامة، وكل هذه أفكار راين المؤسس، هذا الشخص أحد أشهر تجار الفحم بأمريكا، وأغنى رجال العالم، يستطيع بناء جدرانه من الذهب لكن لو أمعنت النظر بمكتبه في بيوشوك ١ ستجد جدرانه مبنية من الحديد من شدة حبه للمصانع، هذا الشخص بالرغم من سوءه إلا أنه يتمتع بحس شخصي عميق، بالرغم من حبه للمصانع وفكرة سلسلة الصناعة العظيمة التي أحيت رابتشر، هي نفسها التي أضعفت إدارته لرابتشر مع سوق البلازميدز وغيرها من الأحداث التي ربما سنتطرق لها لاحقا، هذا الصراع المقنع غير متواجد بكثرة بعالم الألعاب، مستويات الصراع بالشخصيات إن وجدت فهي عادة ماتكون مباشرة جدا.

في إضافة Burial at sea من بيوشوك انفنيت تستطيع أن تستمع لأحاديث الناس بمرحلة شبه مستقرة من حياة رابتشر، تجد أحاديثهم تنم عن طمع بالهيمنة، الكل مغتر بنفسه، لا يوجد إنسانية بهذا المجتمع بشكل عام، انعدام الأخلاقيات والضوابط للعلم، وفهم حرية الفن بأن جوهره السماح بكل شيء لأن يكون فنا عوضا عن فهم الفن بأنه وسيلة لحماية الإنسان بأن يبقى إنسانا، كل تلك الأمور قادت المجتمع للدمار، سنرى كيف استجاب المجتمع لسلسلة الصناعة العظيمة لاحقا بتفصيل أكبر.

 

ملاحظة: أحداث هذه السلسلة مقتبسة من بيوشوك ١ و  ٢ و رواية رابتشر لجون شيرلي.

هل اعجبتك المقدمة؟ شاركنا برأيك بالتعليقات.

شاركنا تعليقك